جرح الفراق
الفراق هو قدر الإنسان يأتي دوماً على أجنحة عاصفة هوجاء ليطفيء فرحنا فيأخذ منا وطن وديار وأحبة ويبعدنا عن أمكنة تآلفت أرواحنا معها وأعزاء ارتبطت قلوبنا بهم ...
لايرحم لهفة ولايلين لدموع , يترنم على أصوات النحيب وصرخات الوجع وعويل الألم ...
كثيرة هي الأوطان التي مرّ بها بزياراته المشؤمة فتركها تأن من جبروته وتنهار شعوبها تحت وطأة سياطه المؤلمة التي نثرتهم في بقاع مترامية الأطراف وأبعدتهم عن عالم الأمان والإلفة والمحبة وجعلتهم يستظلون بمظلة الحنين والذكرى كي يستمروا في الحياة التي حاصرتهم بأنياب الخداع ومخالب الشر .
دائماً يقدم مع الغروب مستلاً سيفه الحاد وخلفه يقف الوداع والرحيل والحزن والموت والألم حاملين معهم باقات من أشواك الحنين التي تقطر دماً , ثم ماتلبث تلك الجموع من أتباعه المثيرين للخوف والفزع أن يطاردوننا في واحات صفائنا وحدائق عزنا ومجدنا وفي نبضات قلوبنا , يتسللون خفية إلينا ليفاجؤنا بغدر الزمن وليقضوا على أحلامنا وأشواقنا وسعادتنا ويحولوها إلى أكوام من رماد....
فنصبح وقد تحولت جنائن حياتنا إلى صحراء قاحلة تنبت فيها أشواك الجراح وتدفن فيها ورود الحب الظامئة تحت رمال الفراق في نهاية مأساوية !!
لكن وعلى الرغم من قسوة الفراق وشدة ألمه تبقى هناك ذكرى ترف في آفاق حياتنا كأسطورة من عبير تنشر عبقها على أيامنا لنبتسم تحدياً لجراحنا...
ويبدو أن هذه الذكريات هي الرحمة التي وجدت كي نستطيع التغلب على فداحة الخسارة ...
فليس أقسى من أن تلوح مودعاً لأشياء لاتتمنى توديعها لأنك بذلك ستقف وحيداً ولن تجد حولك سواك!!
ولايوجد ألم يضاهي ابتعاد عزيز في رحلة اللاعودة !! أو مفارقة أحبة على مفترق مشوار الحياة وكتابه النهاية بمداد القلوب !!
جميعها صور مؤلمة للفراق تحفر على جدران رحلتنا في هذا الكون لتتركنا مع الوجع محطمين يائسين على شواطيء الذكرى نبحر في بحار من الدموع على أشرعة الشوق والحنين .