همسة فراق

همسة فراق

أن نقدم الأعذار عن رحيلنا دون سبب فتلك كذبة نكذبها كي نبتعد , لكن إذا أرغمتنا الحياة على الرحيل والفراق وعجزنا عن البوح بألمنا لقساوة أسباب البعد , فهي حقيقة لابد أن تظهر يوماً رغماً عن جدران الصمت التي تبنيها تلك الأسباب ....

همسة

همس

 

أعود إليك , كما تعود الطيور في صخب إلى أعشاشها كل مساء

أقرأ أوراقك التي تلقيها في فضاء الكون , وأبحثُ فيها عن كلمات أجمعها لأخترع لك رسالة تختلف عن كل ماتلقيه النسمات في بريدك .

إن كنتَ تقرأ تلك الرسائل الإستثنائية فاهمس لتلك النجوم المسائية التي أصبحت ماهرة في حياكة الهمسات وإيصالها بأمان لي , وإن لم تقرأها فأحلاماُ سعيدة إلى أن تستيقظ يوماً ما لتجد كل تلك الرسائل وقد تاهت في ماضي الزمان وأصبحت بلا روح وبلا عنوان ...

نهاية العام

نهاية العام

في نهاية العام , وجدتُ في حقيبتي التي أتعبتها الفصول

ومزقها عراك الأيام والشهور

وأبلاها صخب الكلمات النارية

والأحاديث الشيطانية

والهمسات الجافة الاعتيادية  

بقايا أمنية

وقطع أوراق ملونة

وقلم ينازع رمقه الأخير

يتوسل إلى حبره بصوتٍ مرير

وهاتف كل أرقامه مغلقة , مقفلة , متحجرة

ورسائل باهتة بلا عناوين

تنتظر رصاصة الرحمة منذ سنين

وفي زاويتها قصاصة منك

لازالت حروفها تزهو بعطر روحك

وتبتسم لي رغم ظلام الحقيبة

ورغم طقوس الحزن اليومية

 تلك الحقيبة الرمادية سأهبها لدوامات الزمن

وأبدأ بحقيبة جديدة وردية

لن أُبقي من القديم إلا سواك

 وقصاصة كلماتك لتمنحني

حماية سماوية

وقوافل أيام مخملية

وعصراً من عصور أمجادنا المنسية

 

كل عام وأنت بخير

 

رسالة إليك

رسالة إليك ..

ياسيدي لازلت أحتفظ بالمرساة معي , فالرحيل قدري وشواطيء الدنيا مواقفٌ لانتظاري , وهذه المدن التي تتراقص أنوارها ليلاً , مرافيء فراق سرتُ على أرصفتها , وتنسمت عطر صباحها وتوسدت حكايات مسائها .

 تركت في زوايا جدرانها أوراق طفولتي , ونقشت على جذوع أشجارها أحلامي .

ودعتُ فوق أرضها أحبة اختارتهم السماء ليرحلوا تاركين أوشحة سوداء قاتمة ترفُّ في حنايا القلب بلا نسيان  ....

 على شرفات بيوتها توالت فصول الحياة ومرَّت على طرقاتها أيام وأعوام الزمان , ومررت أنا في تاريخها غريبة , يلفني الصمت , ويهرب مني الأمان , تطوي عربة رحيلي آراضٍ وبحار وأنا أُمسك بمرساتي كما تمسك أُمُ بطفلها كي لايضيع في عاصفة الغضب والظلام , وكما يمسك الغريق ببقايا سفينة محطمة وسط بحار الصبر المريرة ,لأُلقيها يوماً على شاطيء وطنٍ سلبوه كما سلبوا الماء من الحياة , وكما سلبوا الروح من أجساد الضعفاء الأبرياء بلا رحمة وجعلوا من مأساتهم للشّر قربان ...

كم حلمتُ أن أحيا في زمنٍ يشبه زمن الرشيد رفاهية وصلاح الدين كرامة وابن الخطاب عدالةً والراشدين أمناً وأماناً والأمويين عزاً والعباسيين مجداً !!

كم أقنعتُ نفسي أنّ العودة قريبة وأنّ السلام حقيقة وأنّ النصر قادم وأنّ الحرية سترف فوق بيادر وطننا وحقوله ومدنه التي حاصرتها ذئاب استقدموها من أقبية الرعب !!

لم أعلم أنّ بين الأحلام والقناعات هناك قدر كان يخبيء خلف ردائه لنا الكثير من الصدمات والدمار , قدر أعاد همجية المغول والتتر لزماننا بصورٍ وأسماء مختلفة , همجية اغتالت الأحلام والقناعات وماتبقى من جمال في هذا العالم , أطاحت بالمحبة والبراءة وبالحضارات والقيم وحطمت صروح الأماني والذكريات الجميلة .

لم أعد أحلم بالكثير ولم أعد أُصدق الكثير فمأساة الأوطان والوجود والحياة أعظم من كل أحلامنا وأمانينا وقناعاتنا التي حولها زمن الأطماع واللامعقول إلى قطع زجاج هشة لاتحتمل كل هذا الفزع من حولها .

 هذا هو حال القدر والزمن والوطن والإنسان في عصر يحكمه الشيطان , فهل سأعود لانتظارٍ أكبر ؟ أم إلى رحلات رحيل أطول ؟ فصفحات التاريخ في أيامنا هذه مضرجة بالعار والأوطان دُفنت تحت رماد الموت وعلا وجوه الناس اليأس وعيون الثكالى الدمع وعيون الحقيقة الغبار !!!!

مع كل مايجري ياسيدي لازلت أحتفظ بمرساتي في يدي , رغماً عن البحار المتلاطمة والسفن التي تتأرجح تائهة ضائعة وسط ضباب يخفي وراءه الكثير من المفاجآت , أتشبتُ بها لعلني أصطدم يوماً خلال رحلتي بمرفأ وطني فأرسو على رماله فلاعزة إلا به ولو كان ترابه يحترق ولاكرامة إلا فيه ولو كانت حجارته تشتعل  فحرائقه لن تنطفيء إلا بأيدينا نحن الذين كابدنا نيران الرحيل والاغتراب والشوق إلى من غابوا عنا وبقينا من دونهم نتجرع سم الوحدة والفراق القاتل  .  

 

همسة للحياة

همسة للحياة

في انتظاري لابتسامات الحياة ألم , وفي صمتي مرارة , وفي وحدتي خوف وفي غربتي صقيع وسط صحراء جافة المشاعر ,, ومابين تلك الدروب تفاصيل لايدركها سوى من كابد الانتظار والصمت والخوف والغربة ....

 

تطور!!!

تطور !!

تطورنا كثيراً فأصبحنا في هذا العصر المليء بالمخترعات والاكتشافات أقرب إلى الإنسان البدائي في أفكاره ومشاعره وحياته !!

تطورنا بحيث بدأنا بالعودة إلى أصلنا الأول ( القرد ) بأبشع صوره !!

تطورنا فأصبحنا أكثر قساوة وأنانينة ووحشية !!

تطورنا بحيث لم نعد نعترف بأحكام الأعراف والأديان والقيم !!!

تطورنا بحيث لم تعلق في أذهاننا سوى قصة قابيل وهابيل لنطبقها كل يوم على أرض الواقع !!!

تطورنا عندما ارتضينا أن يُعدم تاريخنا المشّرف وتُدنس الحضارات التي توارثناها أمام أعيننا ونقف صامتين عاجزين أذلاء !!!

تطورنا كثيراً بحيث قمنا بأيدينا وتحت سياط قوى الشر بالعالم  بإدارة عقارب ساعة الزمن للوراء لنعود بكل ما قدمناه للبشرية من فكر وأخلاق وتعاليم وحضارات إلى نقطة الصفر على هذه الأرض التي ملّت ضعفنا وهواننا وتحت قبة السماء التي لعنت جاهليتنا وغباءنا !!!!!

 

همسة

 

همسة

من الترف أن أبحث في هذه الأيام التترية والزمن المغولي

والعصر الممزوج  بالخيانة والضعف عن إحساسٍ في قصيدة شاعر وهمسة حب في ليلٍ ساحر

عن رحمة في قلوب غادرتها المشاعر

وعن أمانٍ وسط أهوال الحياة والصخب القاتل

عن صدقٍ في وجوهٍ مقنّعة بالزيف والمظاهر

وعن كبرياءٍ في أكوام الهوان والتخاذل !!!!!

وحوش العصر

وحوش العصر

عندما تختبيء الأمنيات في شقوق الغربة

وتبكي الأحلام على وسادة الرحيل

وتذبل الروح على مقاعد الانتظار

وتنتحر الحياة على مرأى السماء

وتموت الطفولة قبل أن تبتسم لها الدنيا

ويسقط القتلى بلا ذنبٍ أو خطيئة

ويصبح الفراق سيد المدن

ويمسي الظلام رفيق العيون الخائفة

فاعلم أنك تقف على أرضٍ عربية!!

وعندما ترى الأشجار مجردة من الكبرياء

والأزهار بلا لونٍ أوعطر

والسنابل تنحني خاوية ذليلة

والغيوم بلا مطر

والليل بلا نجومٍ أو قمر

فاعلم أنك في بلدٍ عربي

تآمروا عليه

وحاصروه واغتالوا الحضارة فيه

ودفنوا أبرياءه أحياء

سبوا نسائه وعذبوا أطفاله

وسرقوا طعامه ولوثوا شرابه

تتر هذا العصر المخيف

أشباه البشرية

يدمرون ,يحطمون , يحرقون

يجتاحون التاريخ كالوحوش

يتقافزون فوق ركام الخراب

ينعقون كالغربان , حاملين رايات الموت

صنيعة الشر والأحقاد

أبناء الجهل والجاهلية

عاثوا فساداً وإفساداً

على إيقاع همجيتهم ترنحت رؤوس

وزها بنصرهم المجبول بالعار أنصاف رجال

مخلوقات قبيحة لم يكتفوا بالدمار

ولم يرتوا من دماء الآبار

تقدموا كالإعصار

ينهشون لحوم الضحايا

يكفرون بالإنجيل

ويدنسون تعاليم القرآن

وانقسمنا في هذا العالم إلى نوعان:

الضحية الصامد

 والخائن المتخاذل الجبان .

همسة ألم

 

همسة ألم

 

أردت الهرب من مكانهم وزمانهم وحياتهم , لكني خشيت أن أجدهم في مكان آخر وزمان آخر بأسماء وملامح مختلفة ....
فاخترت البقاء وتجرع علقم وجودهم وألم أحقادهم على الرحيل في الطرقات المجهولة إلى أبعد مكان لأجد من يشبههم فعلاً وحقداً , فهذا الزمان أصبحت فيه الأقنعة دقيقة الصنع بحيث تخفي وراءها أهوال من يشبهون البشر !!!!!

هذه حياتي

هذه حياتي

حلّقتُ خارج سرب الأيام لأحظى بزمنٍ لايشبه زماننا وبأيام لاتشبه أيامنا وبحياةٍ لاتشبه حياتنا فرمتني الأقدار بسهامها المرصودة لأعود للواقع , فكل الأزمان والأيام تتشابه عندما تكون أقدارنا كما قسّمتهُ لنا , وعندما تكون ألوان الحياة هي ذاتها في أي مكان وزمان نتواجد به , فالقدر هو من يرسم خطانا ورحلتنا في هذا الكون !!!